ها نحن على موعد جديد؛ نلتقي فيه لنجدد العهد مع جائزة باتت تحظى بحضور راق في الأوساط الأدبية والثقافية والفكرية على مستوى العالم العربي، جائزة تحتضن المبدعين من شتى البلدان، وتحتفي بمن هم جديرون بالاحتفاء... إنها جائزة الدولة لأدب الطفل؛ فالدولة هي دولة قطر، التي آثرت أن تكون قيمة الجائزة من قيمة موضوعها، عندما شملتها بالرعاية صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ حمد بن خليفة أل الثاني.

وقد جاء أهتمام دولة قطر بتأسيس سياسة تربوية وثقافية للطفل ورسم أسسها، وتوفير بيئة ملائمة تستقطب عقله؛ رغبة في إعداد جيل مسلح بالعلم والمعرفة، قادر على الحفاظ على هويته العربية الإسلامية ومواصلة مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها البلاد.

فبتوجيهات صادقة ورعاية كريمة من صاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة أطلق المجلس الأعلى لشؤون الأسرة عام 2001 حملة اقرأ بهدف التوعية بأهمية التعليم في اكتساب جميع المعارف والمهارات الحسية والذهنية التي تشبع حاجات الفرد والجماعة.

كما دعت سموها في افتتاح فعاليات المنتدى الإعلامي الخليجي حول التلفزيون وحقوق الطفل ( فبراير 2002) الى ضرورة ان ندرك جميعاً مدلول ومعنى القرية الكونية التي اضحت كناية على عالمنا المعاصر، ومرادفا له مؤكدة ان عالمنا فعلا قرية صغيرة تقاربت مسافاتها وتقلص أبعادها وتداخلت ثقافتها وأفكارها بحكم تطور أساليب ووتيرة التواصل والاتصال وادراكا لخطورة أن يؤثر التطور السريع والسهل لوسائل الاتصال الحديثة في الهوية العربية الاسلامية للطفل، وايمانا بضرورة النهوض بالانتاج الادبي الموجه للطفل الذي تضاءل في ظل غزو الفضائيات ووسائل التلقي الالكترونية المختلفة لعالم الطفل، أطلقت قطر برعاية صاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند هذه الجائزة ورصدت لها الجهود المختلفة، من أجل بناء جيل عربي، والارتقاء به من خلال:

تشجيع الكتاب والمبدعين: القطريين والعرب، على إنتاج أعمال إبداعية رفيعة المستوى في الأدب والفنون الخاصة بالطفل.

تعزيز القيم الإنسانية والقدرات الذاتية بما ينمي لدى الطفل الخبرة الحياتية.

ترسيخ مفهوم الهوية، والانتماء، في إطار الالتزام بمنظومة القيم العربية والإسلامية.

تنمية الوعي الأدبي والجمالي لدى الطفل.

تعزيز جسور التواصل بين الأجيال من خلال إنعاش الذاكرة الثقافية والإرث الحضاري.

إغناء المكتبة العربية في مجال ثقافة الطفل.

أما الأدب فهو أدب الطفل، وهو جنس أدبي جديد في أدبنا العربي، وآداب الأمم الأخرى، لم يظهر في القديم وعياً يحترم شخصية الطفل وميوله وأهواءه بوصفه إنساناً ذا كيان مستقل؛ إذ كان، في السابق، يعتمد على غرائب الحكايات وعجائب التخيلات، من دون إدراك في أغلب الأحيان أن الطفل إنسان مصغر له شخصيته الخاصة، وأن المطلوب تنمية هذه الشخصية بشيء من الاستقلالية لتعرف طريقها الخاص الى المستقبل بدلاً من قولبتها على أنموذج جامد ونمطي. وكان الإقناع في التربية آخر ما يفكر به المؤدبون والآدباء والمعلمون.

ولما تأخرت الثقافة العربية في إدراك أهمية تنمية شخصية الطفل وخصوصيته، بدأت تظهر تدريجياً محاولات لتفهم عقلية الطفل من خلال التربية غير المباشرة التي يطرحها أدب الأطفال مصحوبةً بالإمتاع وتوسيع أفاق الخيال عند الطفل...

وتطور الأمر بسرعة مقبولة وبدأ يظهر في الكتابة العربية نوع من التخصص في هذا الفن غير السهل على الإطلاق. كما بدأت تظهر اهتمامات شبه رسمية في هذا المجال، وتوالت الجوائز المتعلقة بأدب الطفال وعقدت بعض المؤتمرات حول هذا الموضوع.

واليوم، ونحن سنحتفي بتكريم الفائزين في الدورة الثانية ونعلن عن الدورة الثالثة من دورات الجائزة، التي تتغير مجالاتها مع كل دورة جديدة، فإننا نجني ثمارها أعمالا أدبية فنية ابداعية رفيعة المستوى؛ أسهم بها عدد كبير من المبدعين الأدباء والفنانين العرب تميزت بالأصالة وحققت أهدافها في الارتقاء بأدب وفنون الطفل العربي، وبدون شك ستغني الأعمال الفائزة المكتبة العربية وستسهم في خلق الوعي الأدبي لدى الطفل وستكون باكورة اعمال أدبية قادمة تقع في ظل جائزة الدولة لأدب الطفل.

ونحن إذ نعمل في ضوء تحقيق هذه القيم فإننا نهنىء الفائزين بالجائزة، وننظر بتفاؤل عميق إلى إنجازاتهم المستقبلية.